الحساسية والحساسية الجزيئية

الحساسية والحساسية الجزيئية من الموضوعات الطبية المهمة التي تثير اهتمام الأطباء والباحثين، نظرًا لارتباطها المباشر بصحة الإنسان وجودة حياته. فالحساسية تُعرَّف بأنها استجابة غير طبيعية للجهاز المناعي تجاه مواد عادةً ما تكون غير ضارة في الظروف الطبيعية، مثل الغبار، أو حبوب اللقاح، أو بعض الأطعمة. هذه المواد تُعرف باسم مُحسِّسات (Allergens). وعندما يتعرض الجسم لها، يتعامل معها الجهاز المناعي وكأنها تهديد خطير، مما يؤدي إلى ظهور أعراض تتفاوت بين خفيفة مثل العطس والحكة، إلى شديدة مثل صعوبة التنفس أو الصدمة التحسسية.

أولًا: مفهوم الحساسية

الحساسية التقليدية تحدث عندما يتعرض الجهاز المناعي لمادة غريبة، فيبدأ بإنتاج أجسام مضادة من نوع IgE، التي تلتصق بالخلايا البدينة (Mast Cells) والخلايا القاعدية (Basophils). عند التعرض للمادة المسببة للحساسية مرة أخرى، تتحرر مواد كيميائية مثل الهيستامين، مسببة الالتهابات والتهيج والأعراض المعروفة للحساسية.

ثانيًا: الحساسية الجزيئية

الحساسية الجزيئية هي التطور الحديث في علم المناعة التحسسية. بدلاً من الاكتفاء بتحديد نوع المادة المثيرة للحساسية (مثل الفول السوداني أو الغبار)، يركز هذا الفرع على تحديد المكونات الجزيئية الدقيقة داخل هذه المواد التي تسبب التفاعل المناعي. أي أن الباحثين لم يعودوا يدرسون الحساسية على مستوى “المادة الكاملة” فقط، بل على مستوى البروتينات والجزيئات الصغيرة المسؤولة عن الاستجابة المناعية.

على سبيل المثال، في حالة حساسية حبوب اللقاح، لا تكون كل البروتينات المكونة لها مسؤولة عن إثارة الجهاز المناعي، بل بروتينات محددة بعينها. وهنا يأتي دور التحليل الجزيئي الذي يمكّن الأطباء من التعرف على “البصمة الجزيئية” المسببة للتحسس.

ثالثًا: فوائد دراسة الحساسية الجزيئية

  1. تشخيص أدق: يساعد الفحص الجزيئي على التمييز بين الحساسية الحقيقية والتفاعل المتقاطع (Cross-reactivity)، حيث قد يتفاعل جهاز المناعة مع بروتينات متشابهة موجودة في مواد مختلفة.

  2. تحديد شدة الحالة: بعض المكونات الجزيئية مرتبطة بأعراض خفيفة، وأخرى مرتبطة بردود فعل شديدة مثل الحساسية المفرطة، مما يساعد في تقييم خطورة الحالة.

  3. توجيه العلاج: الفهم الجزيئي للحساسية يمكّن الأطباء من وصف علاج أكثر دقة، مثل العلاج المناعي المخصص (Allergen Immunotherapy) الذي يعتمد على تدريب الجهاز المناعي للتكيف مع البروتين المسبب للحساسية.

رابعًا: أمثلة عملية

  • في حساسية الطعام، قد يحدد التحليل الجزيئي إن كان المريض حساسًا لمكونات في الفول السوداني قد تسبب أعراضًا بسيطة، أو بروتينات أخرى قد تسبب صدمة تحسسية خطيرة.

  • في حساسية الغبار، يمكن التفريق بين المكونات التي تثير ردود فعل قوية وتلك التي تكون أقل تأثيرًا.